من يكسب أكثر في العمل عبر الإنترنت المتخصص أم مسبّع الكارات؟!
بداية لنتفق على أمر هو أن جهد الإنسان محدود لأنه لكل إنسان طاقة محدودة لا يمكن أن يتجاوزها ومهما كبرت فإن لها حدود تقف عندها، إن لم نتفق على ذلك؛ فلنتفق على أن وقت الإنسان محدود إن لم تكن طاقته محدودة مما يجعله أمام خيارات محدودة خصوصاً في اختيار مساره المهني.
وهذا ما يبين أهمية التخصص في استغلال هذا الوقت المحدود لتحقيق أفضل النتائج بينما التشتت بين مجالات ضخمة مختلفة يبدد هذا الوقت ويقلل من فعالية النتائج التي سيحصدها بعد سنوات عدة.
بين الأحلام الوردية والواقع الصعب
حماس الشباب المبالغ به ممن يخططون لدخول سوق العمل عبر الإنترنت وينوون تعلم مهارات يستفيدون منها لكسب المال عبر الإنترنت؛ يدفعهم لشعور داخلي يخبرهم أنه بإمكانهم أن يصبحوا خبراءً في كل شيء! في كل شيء حرفياً، وكل شخص منهم يظن أنه صاحب القدرات الاستثنائية المختلفة عن الجميع والتي تمكنه من أن يشذّ عن الطريق ويشقّ طريق الخبرة في كل شيء.
من هذا المنطلق يبدأ معظمهم في الغوص في مجالات كبرى يحتاج كل منها لدراسة تمتد إلى سنوات بل يحتاج كل تخصص جزئي داخل هذه التخصصات إلى دراسة سنوات لإتقانه، ليكتشفوا بعد مرور بضع سنين أن حماسهم أوقعهم بالفخ ليقرروا بعدها أن يتخصصوا، وليختصروا الوقت أكثر، يتجه البعض منهم للتخصص ضمن التخصص وذلك لأنه يحقق دخلاً أعلى بوقت أقصر، بينما كان بإمكانهم أن يتجنبوا كل هذا فيما لو اختاروا الطريق الصحيح منذ البداية.
10 آلاف ساعة لتصبح خبيراً
أشارت خلاصة مقال نشره د.فادي عمروش على موقع آراجيك أنه ولكي تصبح خبيراً في مجال ما فإنك تحتاج إلى 10 آلاف ساعة من الممارسة العملية لهذا المجال وممارسة أشياء جديدة في المجال في كل مرة، وهو ما يعني أنك تحتاج إلى فترة تمتد من 5 حتى 10 سنوات، وذلك في تعليقه على فيديو نشره “ديريك موللر” عبر قناته على اليوتيوب يتناول فيها الخطوات التي يجب اتباعها لتصبح خبيراً في مجال ما.
وهذا للمجال الواحد فكيف يمكن أن يتخصص الإنسان في 5 مجالات ضخمة وأن يكون خبيراً في كل منها بنفس درجة الخبرة؟ إنه من المؤكد -وإن نجح في ذلك- فسيصل وعمره يتجاوز الـ 60 عاماً وحينها لا فائدة له من كل هذا، حيث أصبحت الخبرة غاية وهي بالأصل وسيلة هدفها كسب المال وربما تغيير جزء من العالم نحو الأفضل.
من هنا نخلص أننا وبدل أن نضيع الوقت لنكتشف هذه الحقيقة؛ لمَ لا نبدأ من الآن وكأننا اكتشفناها ونركز على تخصص واحد لنصبح بعد 10 سنوات خبراء فيه؟ أليس هذا أفضل من اكتشاف هذه الحقيقة بعد 5 سنوات تضيع هباء بسبب اتباعنا لحماسنا دون حساب عقلي للأمر؟
المعرفة الفريدة (Specific Knowledge)
وفي كتاب أعده د.عمروش أيضاً بعنوان “حكمة نافال” يحوي خلاصة تغريدات رجل الأعمال الهندي الشهير “نافال رافيكانت” وشرحاً مفصلاً لها، ولمن لا يعرف نافال؛ هو رجل أعمال ومستثمر هندي أمريكي، وهو المؤسس المشارك ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي السابق لشركة AngelLis.
ذكر به مكوّنات الحرية المالية وهي:
- الرافعة (Leverage)
- المعرفة الفريدة (Specific Knowledge)
- المساءلة (Accountability)
إن وجود معرفة فريدة لديك فهذا يعني أنك تستطيع القيام بما لا يستطيع أن يقوم به بقية المتخصصين مما يجعلك تقدم قيمة مضافة لا يستطيع غيرك أن يقدمها؛ وبالتالي تكون العوائد التي تجنيها من امتلاكك لهذه المعرفة الفريدة أضخم مما يجنيه غيرك ممن لا يمتلكونها.
كيف تمتلك معرفة فريدة؟
وحسب ما أشار نافال أن المعرفة الفريدة تأتي من الملاحظة واتباع الشغف حيث قال أنها شيء ما بداخلك يصعب على الآخرين القيام به ويميل إلى التقنية والإبداعية أكثر من الخطوات الروتينية التي يسهل على الجميع القيام بها.
ومن المهم أيضاً -حسب تجربتي- لامتلاك معرفة فريدة هو التخصص في التخصص، على سبيل المثال إذا أردنا توظيف كاتب محتوى تسويقي فإن كاتب المحتوى العام والذي يكتب في كل شيء، لن يكون أداؤه ككاتب المحتوى المتخصص في المحتوى التسويقي لأن الأول صب تركيزه في مجالات شتى بينما الثاني وضع كل تركيزه في مجاله مما مكنه من إعطاء قيمة مضافة وامتلاك معرفة فريدة.
وأذكر أيضاً مثالاً ذكره الصديق “خالد ادريس” (متخصص SEO وصاحب خبرة في العمل عبر الإنترنت) عبر حسابه على الفيسبوك وقال فيه: “كتابة المحتوى العام أرباحه قليلة والمنافسة فيه شرسة.
بينما كتابة المحتوى المتخصص في مجال ما أرباحه أعلى والمنافسة فيه أقل.
يشبه الموضوع الفرق بين الطبيب العام غير المتخصص وبين الطبيب المتخصص في الجراحة العظمية مثلاً.
كلما تخصصت حققت أرباح أعلى.”
والأدلة والأمثلة كثيرة على أن امتلاك معرفة فريدة يجعلنا نحقق عوائد أضخم مما لو كنا نتخصص في مجال عام، وحقا أنا أعجب -وأنا أكتب هذا المقال- كيف أننا نتجادل في موضوع يعد من البديهيات التي يجب أن نتجاوزها لكسب الوقت لا أن نعلق عندها ونضيع وقتاً من عمرنا عليها!
هل أنا أدعوك لإهمال المهارات الأخرى؟
بالطبع لا، دعوتي هي للتخصص؛ حتى تصبح فريداً ومميزاً في مجال يندر أن أجد فيه أمثالك، لو بحثنا عن كاتب محتوى تسويقي لوجدنا آلاف الكتّاب للمحتوى التسويقي، ولكن لو بحثنا عن كاتب محتوى تسويقي مختص بكتابة النصوص التسويقية التي تنشر عبر وسائل التواصل لوجدناه نادراً.
وفي سياق متصل لو بحثنا عن مصمم جرافيك لوجدنا عشرات الآلاف ولكن لو بحثنا عن مصمم جرافيك مختص بتصميم اللوغوهات لوجدناهم قلة قليلة مقابل حشد المصممين.
من هنا أنا لا أدعو لإهمال المهارات الأخرى، بل أدعو للتخصص أولاً ثم التوسّع بما يفيدك في مجالك، مثلاً أنت مبرمج إذن أنت تحتاج إلى تعلّم التسويق الشخصي للتسويق لنفسك، بحاجة إلى تعلم إدارة المشاريع لتدير المشاريع التي تعمل عليها، بحاجة إلى تعلم المحاسبة لحساب التكاليف التي تدفعها وهامش الربح والقيمة التي يجب أن تأخذ ثمنها.
ولكن هذه المهارات وكذلك المهارات الناعمة، تأتي بعد التخصص، تخصص أولاً ثم تعلّم ما يدعم مجالك من مهارات أخرى دون السعي للخبرة فيها لأنك في نهاية المطاف ستستخدمها لتدعم مجالك الرئيس بميزات أخرى لا لتبيع خدمات فيها.
فمثلاً أنت كاتب محتوى تسويقي، تتعلم شيئاً من التصميم لتوصل رسالتك التسويقية وتتعلم كيفية توجيه المصممين لتحقيق ذلك، لا لتتخصص فيه وتبيع خدماتك في التصميم وهكذا دواليك.
فرص أقل بدخل أعلى
تركز الشركات المتوسطة والناشئة على توظيف متخصص عام في المجال لا متخصص في التخصص، أي أنها توظف مصمماً يستطيع تصميم مختلف أشكال الصور لا متخصص في تصميم اللوغو فقط، ولهذا نجد أن فرص التوظف في الشركات المتوسطة والناشئة أكثر من غيرها من الشركات الاحترافية ولكنها بذات الوقت تدفع أقل من الشركات الكبرى.
وأنا مع هذا الخيار في البدايات لاكتساب الخبرة وبناء شبكة العلاقات؛ ولكن للتنويه، هنا أعني أن تتخصص في التصميم عموماً لا أن تتخصص في التصميم والبرمجة والكتابة ثم تطلب التوظّف في شركة متوسطة لأن دخلك حينها سيكون أقل لأنك ستتوظف في شركة أقل احترافية -هذا إن حصلت على وظيفة-
على الجانب الآخر نجد أن المتخصصين في التخصص فرصهم قليلة لأن من يبحث عنهم قلة من الشركات والجهات الاحترافية، ولكن على جانب آخر دخلهم أعلى ممن يعملون في شركات متوسطة وناشئة وذلك واضح لأن 5 مصادر يأتيك لك من كل منها 1000$ مثلاً؛ أفضل من 20 مصدراً يأتي لك من كل منها 100$ شهرياً.
الخلاصة
قبل الاندفاع بلهيب الحماس علينا أن نتجه إلى الحسابات العقلية المنطقية وافتراض القاعدة الغالبة لا افتراض أننا الاستثناء أو السوبّرمان الذي سيشذّ عن الجميع ليكون الفريد من نوعه وخبيراً في كل شيء في الحياة.
ولو كان ذلك فعلى الجانب التسويقي التخصص في كل شيء والتسويق لنفسك على أنك خبير في كل شيء؛ يؤدي إلى رؤية الشركات إليك رؤية ضعيفة كونهم يتعاملون مع عشرات المتخصصين يومياً ويعلمون أنه من الصعب أن تكون خبيراً في كل شيء، وماهراً في كل شيء ومقدماً لقيمة مضافة في كل شيء! هذا ضرب من المستحيل أوهمك حماسك أنه ممكن.
وأختم بمنشور نشره الأستاذ رامي عيسى (خبير ومستشار في مجال التسويق) حين قال:
“5 أساليب رح تخلي مبيعاتك للسما
1- أفتح حساب أنستغرام
2 – أستخدم صورة حلوة
3- ضع هاشتاغات
4- أنشر رييلز
5- أستخدم التسويق عن طريق المؤثرين
———————
هاد الأسلوب بنشر “فضلات المعرفة” منتشر للأسف كتير هل الأيام في الأنستغرام والتيكتوك، غالباً بيكون أصحابه ناس عديمي الخبرة بيقدموا وعود مبالغ فيها، المعلومات داخل منشوراتهم ضحلة، غير مفيدة، وفوق منها بيصنفوا أنفسهم ضمن فئة الأستشاريين والخبراء والمؤثرين ..إلخ
يوم بيحكوا عن SEO، ثاني يوم بيحكوا عن تأسيس الشركات الناشئة، ثالث يوم عن التصميم، ويمكن رابع يوم عن الحب والزواج وتربية الأولاد.
نصيحة كل ماشفت شخص مسبع الكارات، وعم يحكي بثقة عمياء، أهرب منه، ولا قلك أعمله بلوك ثم أهرب منه، محتواهم لا يغني ولا يسمن من جوع، معلوماتهم عبارة عن لقمة ممضوغة- معلوكة آلاف المرات، هدفهم يعيدوا يبيعوك فضلاتهم بشكل دورات تدريبية أو جلسات إستشارية ويخورفوك فيها. لهيك أنتبه لأي معلومة بدخلها لراسك أو بطبقها داخل شركتك.
أنتبه كتير كويس”
والآن وقد وصلت إلى نهاية هذا المقال أخبرني؛ هل غيّرت نظرتك وقررت الاختصاص أم لا زلت مصراً على خوض تجربة أن تكون خبيراً في كل شيء! أتطلع بشوق لقراءة تعليقاتكم.
شكرًا جزيلًا على هذا المقال، والذي جعلني أعيد النظر في بعض الأمور.
شكرا لكِ وسرتني استفادتكِ من المقال.
مقال رائع…🌹
ولكن في بعض الأحيان نلتقي بأشخاص متخصِّصين بمجالين اثنين وأداؤهم ممتاز في كلا المجالين…!
شكرا لك، نسبة هؤلاء الأشخاص ضئيلة مقارنة بغيرهم لذلك نبني كلامنا على القاعدة لا الاستثناء، علما أن كلمة “مجالين” قد تكون مقبولة أمام التخصص في 5 أو 6 مجالات ضخمة.
مميز ..
شكراً