لدينا كم هائل من أسرار النفس البشرية، لكن علم النفس ولج إلى قسم لا يستهان به منها، وفي مقالنا هذا سوف نتحدث عن الذاكرة البشرية التي هي واحدة من أعظم أسرار الروح وعملياتها وأنواعها وأهم أسرارها وخفاياها.
حيث تعتبر الذاكرة البشرية واحدة من العمليات العقلية التي يقوم بها العقل من خلال تخزين الخبرات البشرية المتنوعة واسترجاعها عند الحاجة، وتختلف الذاكرة البشرية اختلافاً جذرياً عن الذاكرة الالكترونية فالأولى تفوق الثانية بشكل كبير.
عمليات الذاكرة البشرية الأساسية:
الترميز encoding
هو استقبال المعلومات ومعالجتها حيث يتم اختزال تلك المعلومات بحيث تظل محتفظة بسماتها الأساسية، ويعتبر الترميز قاعدة لتحويل معلومة ما مثل: إشارة، حرف، كلمة إلى شكل آخر.
ويعتمد الترميز على تفسير الشخص للتجارب المتنوعة، حيث يمكن للشخص أن يفسر الأحداث بطرق مختلفة اعتماداً على تنبؤاته وتوقعاته الخاصة لفهم الترميز.
التخزين storage
حيث تقوم الذاكرة البشرية بإنشاء سجلاً دائماً للاحتفاظ بالمعلومات التي تم ترميزها وهذه العملية تحمي الذاكرة من طوفان المعلومات الهائل الذي تواجهه بشكل يومي
وتجنبنا حملاً زائداً من المعلومات، وتحافظ على سلامة العقل البشري.
الاسترجاع retrieval
هو نوع من الاستجابة لنشاط معين أو فعل محدد، بحيث يتم تجميع واسترداد كافة المعلومات المختزنة بالذاكرة والوصول إلى أحداث ومعلومات من الماضي، وفي كل مرة يحاول الإنسان تذكر حدث ما فهو لا يتذكر الحدث نفسه، ولكن يرى تصور دماغه لهذا الحدث.
أنواع الذاكرة البشرية:
هناك ثلاثة أنواع من الذاكرة البشرية:
الذاكرة الحسية: وهي الأقصر عمراً وتتضمن معلومات من الحواس الخمس مثل السمع والبصر واللمس والشم والذوق، ويتم تخزين المعلومات الحسية في الذاكرة الحسية فقط لفترة كافية.
وأهم وظائف الذاكرة الحسية تنحصر في نقل صورة العالم الخارجي بدرجة عالية من الدقة والكمال، كما تستقبلها حواس الإنسان.
تختلف الذاكرة الحسية للدماغ أيضاً من شخص لآخر، حيث يرى بعض الأشخاص الأشياء في أقل من
مللي بالثانية والبعض الآخر في 500 مللي بالثانية، مع ممارسة الرياضة والنشاط العقلي بانتظام.
الذاكرة قصيرة المدى: هي المعلومات التي يتم تخزينها لفترة وجيزة من الوقت، لا تزيد عن 30 ثانية ويطلق عليها كذلك اسم (الذاكرة الأولية).
يتسم هذا النوع من الذاكرة بسعة محدودة لا تتجاوز سبعة عناصر، في إطار الدراسات العلمية، لقي المخزن اللفظي قصير الأجل اهتماماً بالغاً “جوثان كيه فوستر”
الذاكرة طويلة المدى: هي المعلومات التي يتم تخزينها لفترة زمنية أطول، حيث تستقر فيها المعلومات والخبرات بصورتها النهائية.
وتمتاز هذه الذاكرة بسعتها الهائلة على التخزين، حيث تشمل على المعلومات والخبرات القديمة والحديثة، وتقسم إلى ثلاثة أقسام:
- ذاكرة المعاني: وفي هذه الذاكرة يتم تخزين شبكات من المعاني المرتبطة بالحقائق والمفاهيم والمعرفة العامة.
- ذاكرة الإجراءات: عن كيفية تنفيذ الإجراءات وأداء الأفعال وعمل الأشياء وكيفية استخدامها.
- ذاكرة الأحداث: يتم تخزين جميع الخبرات الشخصية التي مر بها الفرد خلال حياته في هذه الذاكرة
أسرار وخفايا الذاكرة البشرية:
يمكن تخزين 4.7 مليارات كتاب في الذاكرة البشرية:
بحسب دراسة أمريكية أجريت حديثاً على الجزء المسؤول عن الذاكرة في العقل البشري، وجد أن هذا الجزء أكبر عشر مرات عمّا كان يتوقعه العلماء، استناداً إلى أبحاث سابقة.
وأيضاً هناك دراسة نشرتها الصحيفة الإلكترونية “إي لايف” وجدت أن العقل البشري يمكنه تخزين ما يفوق مليون غيغا بايت من البيانات، وهو ما يعادل تقريباً 4.7 مليارات كتاب أو 670 مليون صفحة ويب.
وبالتالي فإن سعة الذاكرة في الدماغ بسعة الشبكة العنكبوتية العالمية.
لكن أستاذ علم الأعصاب الحاسوبية “تيري سيجنوسكي” أوضح أن النتائج والتقديرات التي تم التوصل إليها كبيرة جداً ولاتزال غير واضحة حتى الآن.
الذاكرة البشرية المفقودة يمكن استرجاعها:
تم إجراء تجارب على فئران إحدى المختبرات فوجد أن الذاكرة المفقودة تظل مختزنة داخل خلايا الدماغ، بالرغم من أن الحيوانات تفقد القدرة على استرجاعها.
وقد استطاع علماء أمريكيون من استرجاع الذاكرة المفقودة وذلك بمساعدة الضوء، ففي سلسلة من التجارب أجريت على الفئران اعتمدت على تقنية تسمى علم البصريات الوراثي فعندما تم استخدام الضوء لتنشيط خلايا عصبية في الدماغ وجد الباحثون أنه بإمكان الفئران أن تسترجع الذاكرة التي فقدتها سابقاً.
وفي دراسة تم نشرها في مجلة سانيس وجد أن تخزين الذاكرة ناجم عن بناء وصلات جديدة بين الخلايا العصبية، في حين أن القدرة على استرجاعها تشمل تعزيز هذه الوصلات التي يمكن أن تعرقل عندما يتضرر الدماغ بإصابة أو مرض.
مشاكل التخيلات- صعوبات التصور:
كتب “آلان بادلي”: حتماً سوف تتعرض لدعوات لتحسين ذاكرتك في أكشاك الكتب أو إعلان المجلات، ومثل هذه الدورات التي تدعو لتمرين الذاكرة تضم عدداً من التقنيات، ولكن التخيل البصري يلعب دوراً مهماً على الدوام.
وحيثما نتناول التخيل نجد أن الأفراد ينقسمون إلى ثلاث فصائل مختلفة.
- الذين لا يجدون صعوبة في تكوين صور عقلية.
- الذين لديهم صور عقلية لكن مصحوبة بتفاوت في درجات الصعوبة.
- الذين ليس لديهم صور عقلية على الإطلاق.
علم الذاكرة – كيف تعمل ولماذا ننسى؟
فكرة منحنى النسيان أننا ننسى المعلومات بمرور الوقت إذا لم نراجعها، فالدماغ البشري شيء مذهل لديه القدرة على تخزين كميات هائلة من المعلومات واسترجاعها حسب الرغبة.
أسرار تقوية الذاكرة لاتزال قيد الاكتشاف، لكن ما هو معروف أن العملية تبدأ منذ الطفولة وتستمر طوال الحياة، ويتم تخزين كل معلومة جديدة يتم تعلمها في الذاكرة عن طريق تكوين روابط بين الخلايا العصبية.
يستطيع الدماغ أيضاً معالجة المعلومات الجديدة التي تم تكوينها قبل أسبوع من تخزينها فعلياً في الذاكرة، مما يسمح لنا باسترجاع الذكريات القديمة.
الذاكرة البشرية القوية دليل على الذكاء:
حين نفقد ذاكرتنا نفقد كل شيء في حياتنا، نفقد خبراتنا وتجاربنا ومعارفنا وأفراد عائلاتنا، فالذاكرة هي المخزن والأرشيف وهي التي تشكل شخصيتنا، حين نفقدها كما يحصل مع مرضى الزهايمر نفقد كل هذه الأشياء ونصبح مثل الكمبيوتر المهمل التي محيت كافة محتوياته.
وفي المقابل فالذاكرة القوية تعني المزيد من التجارب والخبرات والمعارف والتميز في سلم الفطنة والذكاء، فالذاكرة القوية تصنع ذكاءً قوياً يعتمد على تراكم الخبرات والتجارب، وفي المقابل يرتكب الإنسان العادي كثيراً من الأخطاء حتى لو كان ذكياً ويتصرف ببطء حين يفعل الشيء لأول مرة.
عندما صنعت شركة IBM كمبيوتراً خارقاً يدعى ديب بلو كلفها ملايين الدولارات، وست سنوات من التطوير، وزودته بعدة شرائح تفكر بطريقة متوازية،
ولكي تثبت قوة جهازها الجديد طلبت من بطل العالم في الشطرنج الروسي جاري كاسباروف خوض مباراة فاصلة معه في عام 1996، مهندسو الشركة أشفقوا على كاسباروف كون جهازهم الخارق ديب بلو قادر على احتساب مئة مليون احتمال في الثانية، ولا يمكن هزيمته، بل وهزم قبله 120خبير في الشطرنج.
لكن كاسباروف استطاع في النهاية التغلب على الكمبيوتر في مباراة أثارت حيرة علماء الاعصاب أكثر من شركة IBM.
لم يكن كاسباروف أذكى من جميع اللاعبين السابقين ولم تكن سرعة التفكير لديه قادرة على التنبؤ بأكثر من سبع احتمالات بالثانية فكيف هزم كاسباروف الكمبيوتر؟
هزمه بفضل ذاكرته الخارقة، فهو لم ينشغل كثيراً في التفكير، بل في استحضار كل الخبرات السابقة والمواقف المماثلة، أرشيفه الضخم من الحلول الجاهزة مكنه لهزيمة عقل اصطناعي جبار، فقوة الذاكرة تفيد في استحضار الحلول الجاهزة والسريعة عند الحاجة إليها.
اقرأ أيضاً: عليك التوقف عن تناول السكر قبل أن تصبح مدمنًا