حين نتحدث عن مفهوم اللامبالاة فهي ترجمة صوت داخلي مفاده “لا أستطيع”, ويقرؤها العقل بأننا لا نستطيع فعل أي شيء ولا يستطيع أحد قط أن يساعدنا في هذا, فهي انعكاس للعجز و اليأس المسبق, وهي مرتبطة بأفكار كـ: (من يهتم؟) (ما الفائدة من هذا؟) (لم سأهدر وقتي هنا؟).
و هذا النوع من السلوك غالباً ما يكون ظاهراً و طاغياً لدى الشخصيات الكئيبة كشخصية الحمار ايور في فيلم ويني الدبدوب الذي اشتهر بمقولة “حسناً, إنها لن تجدي نفعاً بأي حال من الأحوال “, وهو شعور يعكس الإحباط و الهزيمة و المستحيل وهو مزيج لأكثر الصفات السيئة و المستفزة كالمتشائم و المحكوم عليه بالفشل و المهمل و ما إلى ذلك.
اللامبالاة و الموت
إن الحالة البيولوجية لشعور اللامبالاة هي طلب المساعدة, و في الوقت ذاته إيمان بأن لا أحد يستطيع مساعدتي, و الكثير من سكان العالم يتحركون بنسبة ما من اللامبالاة و أنهم لن يستطيعوا الحصول على متطلباتهم الأساسية, و من الطبيعي أن يكون لدى الإنسان نسبة من اللامبالاة تجاه بعض القضايا في حياته.
لكن غير الطبيعي أن يمر بشكل دوري و متكرر بمشاعر لا مبالاة بكل نواحي حياته, لأنها قليلة طاقة الحياة و تشبه إلى حد كبير الموت, و قد تمت ملاحظة هذا الامر في الحرب العالمية الثانية في لندن عندما تم تجميع الأطفال في حضانات و أماكن آمنة, و تأمين مستلزماتهم مع ذلك طوروا مشاعر لا مبالاة و بدأوا بالإنهيار.
فقد الأطفال شهيتهم و تدهورت صحتهم و زادت نسب الوفاة فيما بينهم رغم كل الاحتياطات التي تم الحرص على تأمينها , و يعود ذلك لعدم إمدادهم الكافي بالأحضان و العاطفة وقلة التصاقهم الجسدي بالشخص الأمومي, مما نمى مشاعر لا مبالاة بالحياة و كانت مشكلتهم عاطفية بحتة و ليست فيزيولوجية أو جسدية .
لنتخلص من اللامبالاة
من طرق التخلص من اللامبالاة, هي محاولة النظر للمكافأة الناتجة عنها, و هذا يساعدنا على تحليل الشعور المتخفي تحت قناع اللامبالاة والذي قد يكون خوفاً من الفشل, أو من عدم تقبل الآخرين لنا, و فهمنا لهذه الحقيقة تساعد على الارتقاء من اللامبالاة نحو الخوف, فالخوف يحمل طاقة أكبر من تلك الموجودة في اللامبالاة.
فالخوف يحفزنا على الإيتاء بتصرف او قرار ما و بالتالي التوجه نحو الغضب و الفخر و الشجاعة و هذه كلها تعتبر طاقياً أعلى و أفضل من اللامبالاة, و لنأخذ مثالاً على ما ذكرناه :
الشخص الذي يبدي لا مبالاة بموضوع الكلام امام جمهور ما “من يهتم” “ليس لدي شيء مهم لأقوله ” يخفي وراء لا مبالاته خوفاً من ألا يسمعه الناس أو أنه لا يملك القدرة على الحديث أمام الحشد, فتتحول الفكرة إلى ان الكلام أمام الناس أمر مخيف و ليس مستحيلاً.
و نعرف اننا نرغب بممارسة الشيء الذي نخافه, و ببتبع الرغبة المكبوتة هذه قد تكون ممزوجة بشيء من الأسى لضياع بعض الفرص منا في السابق بسبب هذا الخوف, و هذا يحفز الغضب الذي بدوره يحمل طاقة أكبر من الخوف و يدفعك للقيام بإجراء ما.
وقد يكون هذا الغضب حنقاً و تذمراً من اننا وافقنا على الحديث أمام الناس و نحن الآن مجبرون على القيام به و التغلب على خوفنا منه, و هذا يؤدي إلى البحث عن حل قد يكون في هيئة دورة في المهارات الخطابية أمام الجماهير, و بالتحاقنا بهذه الدورة نكون قد ارتقينا إلى شعور الفخر!
و بهذا نكون قد تعاملنا مع الموقف مباشرةً, بدأنا بالقيام بشيء ما تجاهها و لا يستبعد ظهور بعض الخوف مجدداً و انت في طريقك نحو الدورة و لكن كلما التقطت هذا الخوف و تعرفت عليه ستدرك أن لديك الشجاعة لمواجهة مخاوفك و حلها, و مستوى الشجاعة له الكثير من الطاقة.
أثرها السلبي على حياتنا
اللامبالاة و الاكتئاب هما الثمن الذي ندفعه مقابل قناعتنا بقصورنا و اكتفائنا بهذا القصور, و هما ما نحصل عليه عندما نتقمص دور الضحية و نقبل بهذا وهما الثمن الذي ندفعه عندما نقبل بالسلبية و نرضاها لأنفسنا, و أيضاً عندما نقاوم جوانبنا المحبة و الشجاعة و العظيمة و نسمح للآخرين بتجريحنا و استغلالنا .
و إذا ألقينا نظرة على مصدر المعلومات بداخلنا لوجدنا معظمها قادماً من طفولتنا و ما تلقيناه فيها بالإضافة إلى بعض المعلومات التي وصلتنا من أصدقائنا و بعض الصحف ووسائل الإعلام و الروايات و غيرها و قد تشربناها عن عمد او بدون عمد منا .
و هذا بسبب عدم وعينا و جهلنا و برائتنا , مما جعل عقولنا أشبه بمركب مكون من كل النفايات السلبية في العالم, و أخذنا نطبقها على انفسنا و اقتنعنا بمناسبتها لنا, و كلما اصبحنا اكثر وعياً نبدأ بإدراك أن خيارنا بأيدينا فيما نقتنع به أو نشكك بصحته.
اللوم و علاقته باللامبالاة
يعد اللوم واحدة من أكبر العوائق في تخطي الاكتئاب و اللامبالاة,و لنلق نظرة على المقابل الذ يقدمه اللوم لنا, وهي تعد كثيرة, فهو يجعلنا أبرياء و مستمتعين بالشفقة على أنفسنا و يجعلنا نستقبل شفقة الآخرين, وقد يكون أكبر ربح يقدمه اللوم لنا هو أننا ضحية بريئة بينما الطرف الآخر هو شخص سيء.
يعد اللوم من أعظم الاعذار في العالم إذ إنه يسمح لنا بأن نكون قاصري الأثر دون الشعور بالذنب, و لكن هذه المحدودية لها ثمن بالمقابل وهو فقداننا لحريتنا, و ذلك فضلاً عن ان اللوم يسمح بترسيخ تصورنا بالضعف و العجز و القابلية للجرح و الإيذاء وهي عناصر اللامبالاة الأساسية.
و الخطوة الاولى للخروج من دائرة اللوم هي أن ندرك أننا نختار أن نلوم فالكثير ممن مروا بتجارب مشابهة لتجاربنا اختاروا الصفح وتعاملوا مع الموقف ذاته بطريقة أخرى تماماً , كفيكتور فرانكل الذي اختار ان يعفو عن حراس السجن النازي و أن يحتفظ بالعطية الخفية من تجربته في معسكرات الاعتقال.
و تنشأ جاذبية اللوم في سنوات طفولتنا الأولى خلال المواقف اليومية باللعب و الفصل الدراسي و غيرها, ببساطة بدا و كانه فكرة جيدة في وقت ما و لم يعد صالحاً الآن و هذا كل شيء, لذا من الضروري أن ننتبه لمشاعر الرضا و المتعة الخفية ألا تكون على حساب مشاعر الشفقة على الذات و الاستياء.
اللامبالاة و الاكتئاب هما من نواتج الرغبة بالتمسك بالأنا الدنيا ومعتقداتها, و مقاومة الانا العليا و التي تحمل كل الأضداد للمشاعر و السلوكيات السلبية, ومن طبيعة الكون أن يتمثل كل شيء فيه بالشبيه و عكسه, وكذلك في نفس الانسان لكل شعور ضد .
و بالتالي فإن طريق الخروج من السلبية يكون بالاستعداد للاعتراف بالمشاعر السلبية و السماح برحيلها و رحيل مقاومة المشاعر الإيجابية فالاكتئاب و اللامبالاة هما نتيجة للبقاء في بيئة سلبية ,فإذا ما وجدنا أنفسنا في حالة من اللامبالاة يمكننا سؤال أنفسنا عن الذي نحاول أن نثبته ,هل نحاول إثبات أن الحياة فاسدة, وهل نريد أن نثبت أنه عالم لا يجدي نفعاً ؟,ما الذي نحاول تبريره و كم نحن مستعدون لندفع في سبيل أن نكون على حق.
عندما نفهم ما وراء هذه التساؤلات من مشاعر , سنستطيع وقتها التحكم بها.
اقرأ أيضًا: